جيل من التلسكوبات الأرضية أكبر حجماً وأكثر دقة

سوف يتسم الجيل المقبل من التلسكوبات الأرضية بحجم أكبر مما كان متعارفاً عليه من قبل. وسوف تكون قدرتها أعظم على استكشاف الكواكب الشبيهة بالأرض من مسافات بعيدة، وتساعد على الإجابة عن الأسئلة الكونية الرئيسية، مثل طريقة تكون النجوم والمجرات منذ البداية. كذلك ستسلط هذه التلسكوبات العملاقة المزيد من الضوء على أكبر لغزين حيرا علماء الفلك، وهما المادة السوداء التي يمكن رؤيتها فقط من خلال جاذبيتها للمواد الأخرى، الطاقة المظلمة، وهي الظاهرة التي يعتقد أنها تدفع إلى تمدّد الكون. وتتميز التلسكوبات الكبيرة بمداها الأكثر اتساعاً ومن ثم القدرة على تجميع الضوء واستكشاف الأجسام الخافتة والرؤية بصورة أفضل.

وتقول مجلة فوكس العلمية البريطانية، في تقرير حديث لها، إنه على الرغم من ذلك، هناك مشكلة تكمن في أن الغلاف الجوي للأرض يمتص الضوء ويشتته، الأمر الذي يجعل صورة هذه التلسكوبات مشوشة. ويرى العلماء أن أحد الحلول لهذه المشكلة هو تثبيت أجهزة الرصد في مواقع فوق مستوى الغلاف الجوي وفي مدار مماثل لمدار التلسكوب هابل، لكن هذا الحل مكلّف ومقيد معاً. ولحسن الحظ، فإن إحراز تقدم في التكنولوجيا يعني أن الجيل المقبل من التلسكوبات الأرضية العملاقة سوف تعمل بالكفاءة نفسها التي تعمل بها التلسكوبات الفضائية. وحتى في ظل هذا الحلّ، فإن مواقع هذه التلسكوبات سوف تكون في مستوى مرتفع غالباً، بما يتجاوز مستوى الغلاف الجوي للأرض بقدر الإمكان.

إن أحد أهم التلسكوبات العملاقة المنتظر إنشاؤها هو التلسكوب الأوروبي بالغ الضخامة، الذي يعرف اختصاراً باسم إي-إي إل تي وهو عبارة عن تلسكوب بصري يعمل بالأشعة تحت الحمراء القريبة ومزود بمرآة رئيسية يصل قطرها إلى 40 متراً، أي ما يعادل نصف طول ملعب كرة القدم. وبذلك تعتبر أكبر مرآة تم إنشاؤها حتى الآن. فمن الناحية العملية، يستحيل تثبيت مرآة بقطر 40 متراً داخل مكان واحد، وبدلاً من ذلك، فسوف يتألف سطح التجميع في التلسكوب الأوروبي بالغ الضخامة من حوالي 1000 قطعة سداسية الشكل، يصل عرض الواحدة إلى 1.4 متر.

وعلى الرغم من أنه تم تثبيته فوق مستوى تبخر المياه الذي يتم فيه امتصاص ضوء النجوم، فسوف تتاح فرصة رؤية عبر غطاء سميك من الهواء. ولتعويض ذلك، سوف يتم تزويد مرآة التلسكوب بما يزيد على 6 آلاف محرّك وظيفتها تغيير شكل المرآة بمعدل ألف مرة في الثانية. سوف يكون هذا التلسكوب قادراً على الرصد بشكل أكبر من أي تلسكوب آخر، لا سيما المراحل الأولى لتكون النجوم والمجرات في الكون.

في صحراء أتاكاما فى تشيلي، تم إنشاء التلسكوب الضخم ألما على مساحة 16 كيلومتراً. يتألف التلسكوب من 45 هوائياً بقطر 12 متراً، و 12 هوائياً بقطر سبعة أمتار. يعمل ألما بنظام التداخل بين تلسكوبات منفصلة يتم تجميعها لتكوين هوائي افتراضي.

وفي أوروبا، سوف يتم إنشاء التلسكوب آينشتاين من أجل رصد ما يسمى بظاهرة موجات الجاذبية التي تحدث نتيجة تصادم الثقوب السوداء في الفضاء. ومن المقرر أن يتم بناؤه في منطقة عميقة بما لا يقل عن 100 متر تحت مستوى سطح الأرض. إلا أن هناك تحدياً سوف يواجه القائمين على بناء التلسكوب يتمثل في عزله بعيداً عن الاهتزازات الناجمة عن حركة المرور وغيرها من المصادر الأخرى. وقد تم اقتراح 15 موقعاً على امتداد القارة الأوروبية لإنشاء التلسكوب، لكن تصميماته وتمويله يعنيان أنه من المحتمل ألا يتم تشغيله قبل منتصف العقد المقبل.

تضافر الجهود

في منطقة الإنديز بشيلي، تضافرت جهود عدة منظمات من الولايات المتحدة وأستراليا وكوريا الجنوبية لتطوير ما أطلقت عليه تلسكوب ماجلان العملاق جي إم تي. وعلى الرغم من كونه ليس بالمدى نفسه للتلسكوب الأوروبي بالغ الضخامة، حيث يصل قطر مرآته إلى 24.5 متراً، إلا أنه يعد ضخماً على نحو مؤثر. فمن المقرر أن يتألف السطح العاكس للتلسكوب جي إم تي من سبع مرايا مستديرة، يصل قطر كل مرآة إلى 8.4 أمتار وتزن 20 طناً. وسوف يكون جي إم تي قادراً على البحث عن الكواكب الشبيهة بالأرض والتعامل مع مشكلات المادة السوداء والطاقة المظلمة وتطور الكون.